كغيره من قطاعات البلد، يلفظ القطاع التربوي في لبنان أنفاسه الأخيرة، بعد أن تأثر بالعاصفة الإقتصادية التي تضرب لبنان منذ عدة سنوات، حتى وصل القطاع التربوية إلى الحضيض، بعدما أصبحت رواتب الأساتذة لا تساوي بضعة عشرات من الدولارات، إذ أن المعلّم بات عاجزاً عن الذهاب والإياب إلى مكان عمله بسبب غلاء المحروقات الفاحش، وبعد أن أصبح رابه لا يساوي صفيحتي بنزين.
بعد أن شهدنا سابقاً هجرة كبيرة في أفراد القطاع الطبي، والإعلامي والهندسي، أتى الدور اليوم على القطاع التعليمي، بعد أن يئِس الأساتذة، من وعود الدولة، ووصل وضعهم المادي إلى الحضيض، فلم يعد هناك أمام الأستاذ ورب العائلة إلا السفر، ولم يعد أمام المعلمة إلا الإلتفات نحو المكان الذي يقدر جهدها ويسمح لها بالعيش بكرامة، فمن غير المعقول أن من شبّه يوماً بالرسول ومربي الأجيال لا يستطيع الدخول إلى مركز طبابة، أو على الأقل تأمين العيش الكريم لأولاده، وفي المقابل، من عبث بمقدرات الدولة يلقب بالـ "خواجة".
على غرار ما يحصل بمختلف القطاعات المنتجة في لبنان، بدأ رحلات هجرة الطواقم التعليمية تنشط في الفترة الأخيرة بعد أن نفذ صبر الأساتذة من الحال الذي وصلوا إليه، وعلى اعتبار أن الأستاذ اللبناني مطلوب في الدول العربية نظراً لكفائته ومهارته التعليمية، نشطت في الفترة الأخيرة هجرة أساتذة التعليم من القطاعين العام والخاص إلى دول الخليج العربي بعد أن فتحت المدارس أبوابها هناك للأساتذة اللبنانيين الراغبين في العمل، وهذا ما فتحت باب الفرص أمام عدد كبير من الأساتذة الذين نجحو بإيجاد عمل تعليمي في الخارج وضمن مخصصات تحترم مقام المعلّم إضافة للراتب المتوازن بحسب خبرة كل أستاذ.
موقع Diaspora on تواصل مع المعلّمة المغتربة في البحرين تالين جفّال، التي اكّد أن " بعد كل ما حصل في البلد وبعد أن أصبح الواقع مذرياً ولم يعد أمامي سوى الهجرة، بحثت عن فرصة عمل ووجدتها في إحدى مدارس البحرين الأجنبية، سافرت ودرست عقد العمل بعد خضوعي لإمتحان، ورأيت في العقد التقدير للمعلم وخبرته وما يمكن أن يقدمه، فقررت الإستقرار هناك والمضي بالتعليم والتجربة التي قد تكون الأفضل في مسيرتي".
وأشارت إلى أن " مخصصات الأساتذة المغتربين تجعلهم يعرفون قيمتهم لأول مرة، إن كان من السكن إلى الراتب وكل وسائل الراحة، وهذا ما يطلبه الأستاذ اللبناني الذي تعب من العذاب والإضرابات والإعتصامات والرواتب المتدنية، وأنا أدعو كل الشباب للبحث عن هكذا فرصة تجعله يعيد البدء بمشواره المهني بشكل أفضل".
ومن جهتها، لفتت الأستاذة المغتربة في أبو ظبي فرح بدران، إلى أن " التعليم هنا يختلف كل الإختلاف عن لبنان، إن كان من حيث التطور وطرق التعليم والتجديد، إضافة للراتب ومخصصاته، فهنا الأستاذ يعيش مرتاحاً إلى حد ما على عكس ما كنا نعاني به في لبنان في التعليم الخاص والرسمي، وإستمرار التعليم في لبنان على ما هو عليه، سيجعلنا نرى الأساتذة يهاجرون جماعات جماعات، مما سيؤدي لإنهيار القطاع الأهم في البلد".
من مختلف الإختصاصات، يهاجر المتعلمون بحثاً عن عمل يؤمن لهم الحياة الكريمة، وفي كل يوم، يأتي الدور على إختصاص، فبالأمس شهدنا نزوحاً في القطاع الطبي، وبعده القطاع الإعلامي والهندسي، وها هو اليوم بدأ القطاع التعليم ينزح نحو بلاد أكثر أمنا وأمانا".