الإغتراب اللبناني والطائفية ... إليكم ما قاله مغترب لبنانيّ!

خاص | باميلا فاخوري | Saturday, May 29, 2021 6:31:00 PM

لا مفرّ من الإعتراف بأنّ الهوية اللبنانية تعاني في صميمها من اعتلال بنيوي حال دون بناء دولة المؤسسات والقانون. وهو ما كبّدنا اليوم انهيار دولةٍ بنيت على الرمل، وها إنّ الأمواج التي تجتاحها من كلّ حدبٍ وصوب تسهم بانحلالها. وفي كلّ مرّةٍ نقف كلبنانيين أمام تحدّي إعادة البناء من الصفر، في وقتٍ، تبدو فيه ضمائرنا ونفوسنا وكياناتنا السياسية هي التي تحتاج إلى ولادةٍ جديدة وشفاءً عميقًا من جروح الحرب والقتل وتناحر الهويات. ودعونا نعترف أنّ التجربة الجماعتيّة في لبنان أثبتت فشلها، والدليل أنّ العمل الحزبي على امتداد عقود لم يثمر بناء دولةٍ على أسس متينة، وما الأحداث الأمنية التي شهدها لبنان مؤخرًا سوى تمثّل لعدم الإستقرار والتشرذم. وحيث إنّ الكثير من اللبنانيين آثروا الإغتراب هربًا من التهجير الذي فرضته الحرب عليهم، إلا أنّه وللأسف العديد منهم على الرغم من المرّ الذي ذاقوه من أحزابهم، حملوا قضياها إلى الإغتراب لربّما لاعتبراهم أنّ هذا هو الخيط الرفيع اللامرئي الذي يجمعهم بوطنهم.

 بيد أنّه اليوم ومع الأحداث التي هزت الأوثان الحزبية في وعي العديد من المغتربين، يبدو أنهم تيقّنوا من اللعبة السياسية التحاصصية وتركوا أحزابهم خالعين عنهم ثوب الأيديولوجيات الإنغلاقية التي لا تبني وطنًا جامعًا للإختلافات. وفي هذا الإطار،  يطرح السؤال: هل ساهم الإغتراب اللبناني على امتداد تجرته بترسيخ الشقاق والطائفية أم أنه على العكس من ذلك ساهم بالتفتّح والوعي؟ وما الدور الذي يلعبه اليوم؟

 

    إن التداخل ما بين الانقسامات الدينيّة والسياسيّة في لبنان حدَّد شكل مشاركة الجاليات اللبنانية في الخارج في سياسة الوطن. وقد شجَّعت منظَّمات الشتات  على رؤى متباينَة لبناء الدولة. وفي حالاتٍ بعينها آثروا الولاءات الدينية على الولاءات الوطنيّة.

ومع غيابَ استراتيجيّة مُستدامة للدولة في مجال إدماج المغترِبين اللبنانيّين، ضعفت مشاركة الجاليات اللبنانيّة بالحياة السياسية. ولقد قام صانِعو السياسات بدغدغة مشاعر المغترِبين وإشراكهم من خلال إنشاء نقاباتٍ وجمعيّات منذ الستينيات. بَيد أنَّ إدماجَهم كمشاركين سياسيّين أو كمواطنين نَشطين ما زال شحيحاً، على الرغم من أنّنا بأنا اليوم نلاحظ إقبالًا إغترابيًّا على العمل السياسي اللبناني عن بعد والضغط عبر المحافل الدولية ضمن مبادرات حزبية وطائفية وغير وحدوية في الباطن.  ولقد امتنعت الدولة اللبنانية عن بناءِ استراتيجيّة مستدامة للمغتربين نظرًا لأنّ الأحزاب السياسية تتحصّل على مكاسبَ من تجزئة الشتات لتعزيز تحالفاتِها القائمة على المصالح. وفي أحيانٍ معيَّنة، مثلَ الانتِخابات أو فترات الاستِقطاب، والتي نلاحظ في خلالها،  مناشدة هذه الأحزاب لمجتمعات الشتات باعتبارِها "عوامل خلّاقة" لتعبئتها من أجلِ تعزيز شبكاتِها وقاعدتها. ولا شكَّ – بعد ذلك – أنَّ هيمنة الشبكات الطائفيّة على المؤسَّسات الحكوميّة قد أَحبطت أية محاولة لتوطيدَ استراتيجيّة موحِّدة للدولة تجاهَ المغترِبين.

من جهةٍ أخرى، لا تزالُ أهميّة مشاركة المغترِبين في الانتخابات في لبنان ما بعد الحرب غيرَ واضحة حتى الآن. ففي ضوء "الشلَل السياسيّ" الذي شهدَه لبنان منذ عام 2011، لم تَجر الانتِخابات، ولم يتمّ توسيعُ نطاقِ حقوقِ الانتِخاب إلى أعضاء الشتات، ما أدّى إلى عدمِ وضوح الصورة فيما إذا كان المغتربون سيستطيعون تغييرَ "قواعد اللعبة" في لبنان"، وكيف ستبدو العقَبات الانتخابيّة التي سيواجهونها. وعلى الرغم من انّ انتخابات أيار الـ 2018 شهدت مشاركةً لا بأس بها من الناخبين اللبنانيين المغتربين إلا أنها تبقى قليلة مقارنةً مع عدد المغتربين في دول العالم، زد على ذلك تعقيد الآليات الإنتخابية التي قد لا تشجع الناخب على الإدلاء بصوته.

ومع ذلك، شارك الشتات اللبنانيُّ في البناء الوطنيّ من خلال مشاريعِ التنميَة والمبادرات الخيريّة وجهود إعادة الإعمار. وقد قام العديد من اللبنانيّين البارزين في الخارج بتعزيزِ رأس المال البشريّ والاجتماعيّ للبنان من خلال نشر نقلِ المعارف والمعايير الثقافيّة والسياسيّة. وقد أدّت المبادرات التي انخرَط فيها المغتربون اللبنانيّون مع الحكومة اللبنانيّة والمنظَّمات الدوليّة إلى مجموعةٍ متنوِّعة من المشاريع المحلّيّة في مجالات التعميرِ والتعليم والتنميَة. وهذا وإن لم يطبّق على أوسع نطاق إلا أنه دليل على تفتح براعم الوعي لدى المغتربين والتّيقّن من أنه لا مستقبل للبنان سوى بالتحلّي برؤية عقلانية بعيدة من النوازع الطائفية التي لا تفعل شيئًا سوى توسيع الهوة بين اللبنانيين بجميع أطيافهم.

 

من وجهة نظر اغترابية، رأى المغترب اللبناني في فلوريدا أحمد تميم أنّ "الإغتراب اللبناني لم يساهم في إرساء الطائفية في لبنان، ومن أرسى الطائفية في لبنان هم رؤساء المليشيات والأحزاب الذين استلموا دفة الحكم منذ 45 سنة، مع العلم ان عدد كبير من المغتربين أخذوا معهم إلى بلاد الإغتراب ميولهم السياسية وتعصبهم الأعمى لطوائفهم".

 

وأضاف: " جميع الأحزاب اللبنانية مبادئها وشعاراتها فارغة لتغطية طائفيتها، الأحزاب العقائدية غير الطائفية هم الحزب الشيوعي اللبناني، وقد إنهزمت فكرة الشيوعية في منشأها وفي العالم، والحزب القومي الاجتماعي السوري القائم على فكرة جمع عدة بلدان عربية في كيان واحد ، وكل كيان من هذه الكيانات شعبه يتقاتل وغير موحد".

 

ولاحظ تميم أننا "نمر بمرحلة مراهقة شعبية في كل بلدان المنطقة إلى حين أن نصل للنضوج الشعبي والوطني، عندها نختار ممثلينا على أسس علمية لتغيير الدساتير القديمة ويكون الدستور الجديد لمصلحة الشعب وليس لمصلحة السياسيين، ويحترم حقوق الإنسان والمرأة والطفل ويكفل صحياً واجتماعياً المواطن على غرار بقية الدول المتحضرة".

 

وكلّ الأمل اليوم أن تصيب عدوى الوعي جميع اللبنانيين أينما كانوا وأن يترجم هذا الوعي في صناديق الإقتراع. عسى إن لم تتمّ الإطاحة بانتخابات الـ 2022  أن نرى وجوهًا تغييرية حقيقية ونزيهة تحمل في جعبتها من الكفاءة والأخلاق ما يكفي للإصلاح.

 

الأكثر قراءة