حنين السبعلي
"غادروا ليهربوا من الواقع المرير"، معادلة حملت اللبناني الى أينما كان، أصبحت كبطاقة تعريف له أمام الغرباء بينما هو اصبح الغريب في دولة بعيدة عن وطنه الأم. أمّا السبب؟ فأزمات عديدة تتخبّط بوطنه لبنان حتى بات همّه الوحيد السفر ليلجأ الى مكان آخر يرتاح فيه من خلال امتلاك جنسية أخرى.
هجرة اللبنانيين الى بلاد الاغتراب ليست بالامر الجديد اذ انهم يسافرون ويهربون دائما عندما تهبّ العاصفة في الوطن، يلملمون أغراضهم ويهرعون الى اي بلد آخر يأويهم.
ظنّ اللبناني عند هروبه من الوطن أنه سيجتمع مع اخيه اللبناني في الغربة وسيعيش حياة الطمأنينة ولن تعود الذكريات الأليمة تلاحقه، بل سيتخطّى الظلم يدا بيد. ولكن الشرخ بين اطياف المغتربين حتى لعنة ترافقه.
الم يهاجر المغترب لكي يبدأ حياة جديدة ويكون على وفاق مع اخيه اللبناني مهما اختلف دينه ؟ ألم يهرب من الوضع السياسي اللبناني لكي يعيش بسلام وطمأنينة؟
أسئلة كثيرة تطرح في هذا السياق، فالوهم الذي بناه اللبناني في عقله الباطني مجرد كلام فارغ لا يمكن تطبيقه على امر الواقع. أولا كان من المفترض أن يجتمع اللبنانيون في خانة واحدة فأسست الجامعة الثقافية حول العالم لكي تلم شمل اللبنانيين بأكملهم، ولكي تكون الصورة المصغّرة عنهم وتؤمّن لهم كل ما يحتاجونه، الّا انها فشلت في ذلك. انقسمت الجامعة بين بعضها البعض، واصبح كل واحد يغنّي على ليلاه، واصبحت حقوق المغتربين اللبنانيين كقطعة قالب الحلوى يتقاتلون عليها مثل الاطفال الصغار.
ثانيا، استقر اللبناني في بلاد الاغتراب، حاول أن يبتعد عن الأمور السياسية، ولكن هذه التدخلات السياسية المنبثقة من الانتماءات الطائفية والمذهبية لم تتركه في حاله، تارة تقوم الطبقة السياسية بالتدخل في حياته وتعرقل نجاحاته وتارة ينخرط المغترب بين مجموعات متطفّلة على الوطن، تقنعه بعدم انتمائها لأحد، ثم تخيب أمله . امور كثيرة جعلت المغترب اللبناني يبتعد عن الأراء السياسية، والسبب؟ الخوف من الموت أو من عودته الى المقبرة التي كان يعيش فيها والتي سمّيت "لبنان". وتأكيدا على ذلك، في مقابلات عديدة أجراها موقع diasporaOn مع المغتربين اللبنانيين في كافة انحاء العالم، استطاع ان يكتشف مدى الخوف الذي يعتري اللبناني في حال بدأ الحديث عن الاوضاع السياسية اللبنانية، اذ انّه يطلب عدم الكشف عن اسمه من جهة اذا اراد الحديث، ومن جهة ثانية يبتعد عن الاجابة، لكي لا يصبح جثة هامدة بين ليلة وضحاها، أو اقالته من عمله بدون انذار مسبق.
وفي الاطار عينه، احزاب سياسية لبنانية استطاعت ان تتغلغل في مجتمعات دول العالم، لكي تبسط نفوذها هناك. ولكن، باي حق هذه الاحزاب المختبئة تحت شعار الطائفة والمذهب ان تمنع اللبناني من الافصاح عن سبب هجرته الى الخارج؟ وان تكشف الاسباب الباطنية لخروجه من الوطن؟ والى متى سيبقى صوت اللبناني مخفيّا لكي لا يموت برصاصة واحدة؟
ثالثا، لا نستطيع أن نبعد المغترب عن ما يحصل في الداخل وليس المطلوب أن يبتعد، فعُرف المغترب على أنه خشبة الخلاص وليكون الدعم لمشروع بناء الدولة اللبنانية من خلال مجموعات ضغط بعيدة عن السياسة لأن هدفهم الاساسي كان الابتعاد عن كل ما هو طائفي وتجنب الحدة في التعاطي مع بعضهم البعض وان تبقى روح الديمقراطية والانفتاح والقدرة على الحوار والتواصل قائمة.
يبدو أن من بقي في لبنان لا يدركون كم تتلاشى العلاقة بين غالبية مغتربي لبنان ووطنهم الأم، خصوصاً المغتربين ممن سنحت لهم فرصة الاستيطان .ولا يدرون عن الانقسامات التي تغلغلت بينهم والتي اصبح الافلات منها صعبا جدّا