بعد تعيينه وزيرًا للأشغال العامة والنقل، تسلم وزير المردة المحامي يوسف فينيانوس زمام الأمور فيما خص المراسلات المتعلقة بباخرة روسوس وبمادة نيترات الآمونيوم، التي جرى تخزينها في العنبر الثاني عشر من مرفأ بيروت، وصرفه ٧٠٠ ألف ليرة كان من شأنه تجنيب اللبنانيين كارثة دمّرت عاصمتهم وأفقدتهم أكثر من مئتي شهيد.
ولكن، قبل الدخول في تفاصيل المراسلات المتعلقة بأتعاب الخبير المكلّف الكشف على حطام السفينة والمواد، التي كانت على متنها، لا بد من الإشارة إلى أنه بعد أن كانت المراسلات بشأن الباخرة والمواد الخطرة تجري عبر المدير العام للنقل البري والبحري، عبد الحفيظ القيسي، في عهد الوزير غازي زعيتر، أصبحت تذيّل بتوقيع الوزير يوسف فنيانوس، الذي أرسل غير كتاب إلى هيئة القضايا عام ٢٠١٧ يطلب فيه الترخيص لدائرة تنفيذ ييروت ببيع السفينة، التي كانت على الرصيف التاسع، وبيع المواد التي حملتها على متنها، وهي نيترات الآمونيوم التي يصفها بالمواد الخطرة والتي أفرغتها وفق فنيانوس إدارة َاستثمار مرفأ بيروت، والشركة اللبنانية للتفريع، ومتعهّد ستيفادوريا في العنبر الثاني عشر، بغية تسديد الرسوم المترتبة لمصلحة خزينة الدولة والشركات الخاصة، عن طريق بيعها في مزاد علني، أو إعادة تصديرها إلى الخارج.
ويحذر فنيانوس في كتابه من خطر غرق السفينة، وما قد تشكّله من خطر على سلامة الملاحة، والسلامة العامة، وسلامة البيئة.
اللافت في كتب فنيانوس أنه لم يتطرّق إلى خطر تلك الموادّ، وما تشكله من خطر على أمن المرفأ والعاملين فيه، ولم يشر كذلك إلى وجود قرارات قضائية تقضي بتفريغ السفينة، فضلاً عن هذا كان هدفه تحصيل أموال الدائنين والخزينة من خلال بيع مواد تدخل في صناعة المتفجرات بمزاد علني، وهي موادّ ممنوع بيعها إلا وفق إجراءات وتراخيص محددة.
في مطلع عام ٢٠١٨ غرقت السفينة روسوس في المياه بفعل العواصف البحرية، إلا أنّ عاصفة مراسلات وزير الأشغال استمرّت في الطلب إلى هيئة القضايا في وزارة العدل الترخيص ببيع حطام السفينة والمواد، إلى أن كَلفت دائرة تنفيذ بيروت خبيرًا الكشف على الباخرة، ورصدت له ٧٠٠ ألف ليرة بدل أتعاب، تدفع من موازنة وزارة الأشغال لكونها الجهة المستدعية. وهنا بدأت رحلة الغوص في التفاصيل القانونية لدفع هذا المبلغ.
أكثر من سنة ومحامي الدولة عمر طرياه الذي اختارته هيئة القضايا، لا يزال يراسل الوزير فنيانوس بغية دفع بدل أتعابه المقرّرة تلك، إلا أن رد الوزير على كتب هيئة القضايا، وطلب محامي الدولة عمر طرباه المتكرّر توفير السلفة للخبير البالغة ٧٠٠ ألف ليرة للسير في إجراءات بيع حطام السفينة روسوس الغارقة والموادّ التي كانت على متنها، إنفاذًا للقرار الصادر عن دائرة تنفيذ بيروت من دون إبراز فاتورة، هو أنه لا يمكن الوزارة دفع الــ٧٠٠ الف ليرة إلا وفقاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية، التي تشترط وجود فاتورة لإرسالها إلى وزارة المال، ولا يمكن إيداع السلفة أمانةً في صندوق دائرة التنفيذ لأن المستفيد شخص من غير الدولة، وعليه يطلب فنيانوس إلى الخبير مباشرة عمله على أن يبرز فاتورة مع تقريره لتدفع وفق الأصول القانونية.
يبدو الوزير، الذي كان يوقّع على مليارات الليرات خلافًا للأصول لتلزيم طرقات، عامداً إلى تجزئتها إلى ما دون خمسة وسبعين مليون ليرة، لتصبح ضمن صلاحيات وزير الأشغال، كأنه حريص على مال الخزينة وحقوق الدائنين، ويرفض التوقيع على صرف ٧٠٠ ألف ليرة خارج أصول قانون المحاسبة العمومية وفق ما جاء في كتبه، فيما يصرف خلافًا للقانون نفسه مليارات الليرات على الزفت الانتخابي، وعلى تسيير أمور السياسيين الخدماتية.
قبل تنحيته طلب المحقّق العدلي السابق القاضي فادي صوان إذنًا في ملاحقة عدد كبير من السياسيين والأمنيين، ومن بينهم الوزير فنيانوس، وها هو المحقّق العدلي القاضي طارق بيطار يضع فنيانوس في خانة المدعى عليهم من بين وزراء وقادة أمنيين، إلا أن الوزير فنيانوس لا يتمتّع بحصانة نيابية ولا بحصانة أمنية. وفي انتظار استدعائه إلى التحقيق للاستماع إلى إفادته كمدعى عليه، تتجه الأنظار إلى الحصانة السياسية، حصانة كالتي منحها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لسركيس حليس الذي لا يزال منذ أكثز من عام معفىً من المثول أمام القضاء في ملف الفيول المغشوش، وهي حصانة قد تنضم إلى الحصانات النيابة والوزارية الأمنية لتكون سدًا منيعًا في وجه تحقيق عدالة ينتظرها أهالي الضحايا والمتضررون من انفجار الرابع من آب، هؤلاء الذين يتمنّون كل لحظة لو أن فنيانوس خالف القانون هذه المرة أيضاً ودفع الــ ٧٠٠ ألف ليرة التي كلّفت أرواحًا لا تعوّض بثمن أقل من ثمن تحقيق العدالة ومحاسبة المقصّرين والمهملين والمتورطين.