ليس اللبناني الذي لا يزال صامداً في بلده وحده الذي يدفع ثمن فساد الطبقة السياسية وصفقاتها وسمسراتها التي أدت الى إنهيار المؤسسات والخزينة العامة والإقتصاد بشكل عام، فالمغترب الذي لا يزال يؤمن بهذا الوطن ويريد أن يؤسس فيه لما يعيده الى أرضه، هو ضحية أيضاً لهذه الطبقة وما حصل مع إبن بلدة عين عكرين في قضاء الكورة خير دليل على ما نقول.
دوميط طنوس الذي يعيش في الولايات المتحدة الأميركية قرر في العام 2019 أن يبني منزلاً له في عقار يملكه في بلدة رشدبين. وعندما كشف مع المهندسين على العقار الذي يملكه ورقمه 1125 – المنطقة العقارية رشدبين، تبين وجود اعمدة توتر متوسط بقوة 5،5 كليوفولت داخل عقاره، وإذا لم تنقل هذه الأعمدة لن يتمكن من بناء المنزل. وبما أن الأعمدة تعود الى مؤسسة كهرباء قاديشا، تقدم طنوس بطلب الى المؤسسة في التاسع من شهر أيار من العام 2019 وقد تم إعطاؤه رقم 1190 وهذا ما تظهره المستندات المرفقة.
في الثاني من تشرين الأول 2019، تبلغ طنوس من كهرباء قاديشا موافقتها على نقل الأعمدة غير أن هذه الموافقة جاءت مشروطة بدفعه مبلغاً من المال قيمته 8 ملايين و646 ألف ليرة، وقد شرحت المؤسسة كيفية توزع هذا المبلغ بين 7522000 لكلفة الأشغال الإجمالية و266000 للدراسة والإشراف على نقل الاعمدة وتركيبها و857000 لضريبة القيمة المضافة، و1000 ليرة للطابع المالي.
في الكتاب الموجه من كهرباء قاديشا الى طنوس، حمّلته الشركة مسؤولية أي إعتراض قد ينجم عن نقل الاعمدة من مالكي العقارات المجاورة التي ستمر بجانبها هذه الشبكة، وكأن صاحب أي عقار خاص مسؤول عن كيفية مدّ شركة الكهرباء شبكاتها وعن تأمين إجماع لدى أصحاب العقارات المجاورة على مدّ هذه الشبكات التي يجب على الدولة أن تستملك الأراضي المطلوبة لمدّها.
إذاً تبلغ طنوس في 2 تشرين الأول 2019 موافقة كهرباء قاديشا على طلبه، وبعد أربع وعشرين ساعة فقط أي في الثالث من تشرين الأول 2019 دفع مبلغ الثمانية ملايين و646 الف ليرة الذي طلبته الشركة منه وحصل منها على وصل رسمي موقع من رئيس المحاسبة سيمون خوري ومن أحد موظفي المكتب.
المفاجأة الأولى الصادمة التي لا تحصل عادةً إلا في بلد كلبنان نخر الفساد جسده حتى العظام، هي أن مؤسسة كهرباء قاديشا لم تنفذ حتى اليوم عملية نقل الأعمدة من العقار رقم 1125 رشدبين!
والمفاجأة الثانية الصاعقة تلقاها صاحب العقار المذكور دوميط طنوس في صيف العام 2021 عندما راجع كهرباء قاديشا سائلاً عن عدم نقل الأعمدة من عقاره على رغم تسديده الرسوم المطلوبة منه، إذ جاءه الجواب الرسمي ومن إدارة المؤسسة، أن "المبلغ الذي دفعه في العام 2019 لم يعد مقبولاً من قبل المتعهدين المعتمدين من قبل الشركة بعد إنهيار الليرة مقابل الدولار، وأن أي متعهد من المتعهدين المذكورين يريد مبلغ 5000 دولار نقداً لتنفيذ الأعمال".في الجواب أيضاً منعت المؤسسة صاحب العقار من تلزيم الأعمال الى أي متعهد آخر يقبل بسعر أقل من متعهدي المؤسسة وذلك حفاظاً على المواصفات والشروط التي تضعها كهرباء قاديشا على المتعهدين.
نعم صدقوا أو لا تصدقوا، مواطن طلب من الدولة اللبنانية حقاً من حقوقه، ففرضت عليه رسماً مالياً، دفع الرسم ولم يحصل على طلبه، وها هي اليوم تطلب منه أن يدفع ثانية!
فعلاً إنها دولة المافيات والعصابات.