أزمة غذائية افريقية؟

أخبار أفريقية | | Thursday, January 20, 2022 10:27:00 AM

يعد الأمن الغذائي إحدى الخطوات الضرورية التي تسعى الدول لتحقيقها خصوصا مع النمو السكاني المطرد، وتجهد دول العالم باستمرار لتأمين الغذاء الجيد والنظيف لشعبها، وتبذل في ذلك مختلف السبل، وفي الوقت الراهن أخذت أهمية الأمن الغذائي تزداد، لكونها مدخلًا للأمن الإنساني يوماً بعد يوم، وإذا كانت الدول الغنية لا تجد صعوبات كبرى في تأمين الغذاء، فإن الدول الأفريقية والفقيرة تعاني الكثير لتحقيق ذلك، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مشكلة سوء التغذية والجوع لا تقتصر على نقص الغذاء، بل تتغلغل في السياسة وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد ومختلف مجالات الحياة العامة، من حيث النسبة المئوية، يعيش معظم الجوعى في أفريقيا، ولاسيما جنوب الصحراء الكبرى، حيث يبدو الوضع معقداً لأن غالبية سكان هذه المنطقة يعيشون تحت خط الفقر، ويفاقم هذا الظرف الصعوبات ذات الصلة بالبيئة والطاقة، وارتفاع معدلات النمو الديموغرافي، وتقرير مصير الطبيعة الهيكلية المزمنة طويلة الأمد لأزمة الغذاء. ويبدو ذلك جلياً، من خلال تفشي الجوع الجماعي بشكل متكرّر، والتوسع المستمر له في مناطق توزيعه إلى درجة تصبح فيها "مناطق جوع" دائمة، ولاسيما داخل منطقة الساحل في شمال شرق وجنوب أفريقيا، وفي الوقت نفسه، يبدو من المفارقة أن ثلثي سكان القارة الأفريقية يعملون في الزراعة، وتظهر البيانات وقائع مروعة، فارتفاع درجات الحرارة يسبب موجات حرارة قاتلة، كما يؤدي تباين هطول الأمطار إلى حدوث فيضانات في بعض المناطق وحالات جفاف في مناطق أخرى، وكلاهما يقلل الإنتاج الزراعي، ويزيد من انعدام الأمن الغذائي وأسعار الغذاء، ويسبب تهجير سكان الريف المنكوبين بالفقر إلى مناطق حضرية مكتظة بالفعل وغير مهيأة لقبولهم، أو إلى دول أخرى.

 


جدير بالذكر أنه في عام 2006، وقعت ثلاثة فيضانات رئيسية (عادة تحدث كل 10-20 سنة) في غضون شهرين في شرق أفريقيا، ممَّا أدى إلى تشريد ما يقرب من مائتي ألف شخص في إثيوبيا والصومال وكينيا، كما تم تدمير آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، وقد تأثر إنتاج الذرة والقمح بالفعل في العديد من البلدان، وكذلك مصائد الأسماك في منطقة البحيرات العظمى وأشجار الفاكهة في منطقة الساحل. ومن المرجح أن تصبح حالات الجفاف والفيضانات أكثر تكراراً وأكثر صعوبة في التنبؤ بها، ويمكن أن تؤدي إلى تفاقم قضايا الأمن الغذائي والهجرة القسرية. وفي عام 2017 في سيراليون، أدت أسابيع من الأمطار الغزيرة إلى انهيارات طينية كارثية قتلت أكثر من 600 شخص خارج العاصمة فريتاون. وفي عام 2018، تسببت الفيضانات الشديدة في النيجر في مقتل أكثر من 80 شخصا، وتشريد خمسين ألف شخص آخر، وتجريف 400 هكتار من الأراضي الزراعية ونُفُوق 26 ألف رأس من الماشية، وفي الوقت نفسه، فإن هذه البلدان لديها بعض أسرع معدلات النمو السكاني في العالم. 

 


إنّ تغيير المناخ يهدد حياة وسبل عيش أكثر من 100 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع، ومن المتوقع أن يؤدي الاحتباس الحراري إلى جفاف الأنهار المتبقية في أفريقيا في العقود القليلة القادمة، وسيؤدي انخفاض المياه الضرورية للإنتاج الزراعي إلى انعدام الأمن الغذائي والفقر وتشرد السكان، كما يمكن أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بنسبة تصل إلى ثلاثة في المائة بحلول عام 2050، وبصرف النظر عن التأثير الضار لتغير المناخ، فإن الفقر هو أحد أسوأ مشاكل أفريقيا، إذ  تشير التقديرات إلى أن واحداً من كل ثلاثة أفارقة، أو أكثر من 400 مليون شخص، يعيشون تحت خط الفقر العالمي، والذي يُعرّف بأنه أقل من 1.90 دولار في اليوم. فالزراعة أمر بالغ الأهمية للنمو الاقتصادي في أفريقيا، و يمكن أن يؤدي تغيير المناخ إلى زعزعة استقرار الأسواق المحلية، وزيادة انعدام الأمن الغذائي، والحد من النمو الاقتصادي، وزيادة المخاطر على مستثمري القطاع الزراعي، والزراعة الأفريقية معرضة بشكل خاص لتأثيرات تغيير المناخ لأنها تعتمد بشدة على هطول الأمطار، وقد أثر تغير المناخ بشكل خطير على هطول الأمطار في جميع أنحاء القارة. فمنطقة الساحل على سبيل المثال، تعتمد إلى حد كبير على الزراعة البعلية (تعتمد بالكامل على الأمطار المحلية للتزوّد بمياه الري)، وهذه الزراعة تعاني بشكل منتظم من الجفاف والفيضانات، وكلاهما يقتل المحاصيل ويقلل من  الإنتاج الزراعي. ووفقاً للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (أي إف بي أر أي) سيؤدي تغير المناخ بحلول عام 2050  إلى ارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار المختلطة، مما يؤدي إلى تغيرات في غلات المحاصيل ونمو القطاع الزراعي، وارتفاع أسعار الغذاء، وقلة توافر الغذاء، وزيادة سوء تغذية الأطفال، ومن المتوقع أن يكون الاحترار في أفريقيا جنوب الصحراء أعلى من المتوسط العالمي، وستكون هطولات الأمطار في العديد من مناطق القارة أقل، وسيكون انخفاض هطول الأمطار مدمراً بشكل خاص في تلك البلدان التي تعتمد بشكل كبير على الأمطار في الإنتاج الزراعي، ومع تزايد معدل النمو السكاني في أفريقيا، ستتعرض الإمدادات الغذائية لضغوط شديدة لمواكبة الطلب. 

 


والأكيد أنّ المناطق الريفية في أفريقيا، رغم معاناتها أكثر من غيرها من تغير المناخ، إلا أنها ليست وحدها، إذ غالباً ما تؤدي الأزمات في المناطق الريفية إلى تهجير سكان الريف إلى المناطق الحضرية، ووفقاً لتقرير عام 2017 الصادر عن الأمم المتحدة، يعيش أكثر من نصف سكان العالم في مناطق حضرية، و تتميز القارة الأفريقية بأسرع معدل تحضر في العالم، ففي عام 1960 كان 20 في المائة فقط من السكان يعيشون في المدن، و المعدل الحالي هو أكثر من 40 في المائة، وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يكون الرقم 60 في المائة، و تعتبر منطقة أفريقيا جنوب الصحراء أسرع مناطق التحضر في العالم، حيث بلغ عدد سكانها 472 مليون نسمة في عام 2018، ومن المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2043 ولن تؤدي قضايا المناخ إلا إلى تفاقم التوسع الحضري والأزمات المرتبطة به. فـ 70 في المائة من سكان الحضر في أفريقيا يعيشون في أحياء فقيرة، والظروف المعيشية في هذه المناطق الحضرية سيئة بسبب مستويات الثروة النسبية، والافتقار إلى التنمية الاقتصادية في المدن التي تتناسب مع معدل التحضر، والبطالة، وضعف الوصول إلى الخدمات...

 


صحيح أن القارة الأفريقية تعتبر من أغنى القارات العالمية نتيجة غناها بموارد باطنية وطبيعية وبشرية، إلا أن شرائح واسعة من دولها تعاني من فقر مفجع يصل حدّ المجاعات والحرمان، وعلينا أن نعترف، أنّ الدول الأفريقية تعاني من مشكلة حقيقية تواجهها حكوماتها متمثّلة في كيفية توفير الغذاء اللازم، دون الوقوع تحت الضغوط السياسية والاقتصادية من جانب الدول الرئيسية المنتجة للغذاء، وليست المشكلة في قيمة الفجوة في الوقت الراهن، لكن المشكلة الأكبر تتمثّل في زيادة معدلات نمو الفجوة الغذائية في العديد من الدول الأفريقية، وذلك لأن الإنتاج المحلي عاجز عن تلبية الاحتياجات المتزايدة للطلب المحلي، وبخاصة مع زيادة معدلات النمو السكاني التي تُولّد ضغوطاً على الإنتاج المتاح. ولم تسفر الالتزامات التي تعهدت بها المؤسّسات الدولية لتقليص عدد الجوعى في أفريقيا بعد عن نتائج فعالة. في عام 2020، التزمت الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي بالقضاء على الجوع بحلول عام 2025 من خلال البرنامج الشامل لتنمية الزراعة في أفريقيا، ومع ذلك حتى الآن، كان التقدم متواضعاً على الرغم من هذه الالتزامات وغيرها، ففي الوقت الحالي، هناك 9 دول فقط من أصل 55 دولة أفريقية تسير على الطريق الصحيح لخفض مستوى سوء التغذية إلى 5 في المائة أو أقل بحلول عام 2025، ما يؤكد على ضرورة مضاعفة الجهود. وبحسب محللين في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، فمن غير المرجح أن يتحقّق الهدف الذي حدّده المجتمع الدولي للقضاء على الجوع بحلول عام 2030، كما أشار تقرير تمّ نشره حول الجوع العالمي إلى أنه "بعد خمس سنوات من التزام العالم بالقضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية، ما زلنا خارج المسار الصحيح لتحقيق هذا الهدف بحلول عام 2030". بالإشارة إلى توقعات الخبراء الحالية، يوضح هذا التقرير أن العالم ككل و47 دولة على وجه الخصوص، لن يحققوا تقليص معدل الجوع بحلول عام 2030.

 


إنّ الأرقام التي توردها منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة (الفاو) حول أعداد الجوعى والفقراء والمعرضين للجوع والفقر، هي أرقام صادمة حول مستويات الفقر المدقع في غالبية البلدان الأفريقية، ومن يتابع تقارير المنظمات الدولية، سيجد أن معدلات الفقر آخذة في الزيادة وإن تراجعت، في حين أنّ هذا التراجع يكون هامشه بسيطًا جدًّا، فلا يزال هناك الملايين ممن يرزحون تحت خط الفقر المدقع، فضلًا عن تحذير منظمة (الفاو) بأن مشكلات الأمن الغذائي في البلدان التي تعاني مرشحة للزيادة مستقبلًا، وهذا دون شك يعكس تواضع الجهود المبذولة على صعيد كل دولة، وفي إطار العمل الأفريقي المشترك، مازالت ضعيفة ولم يتحقق منها سوى مكاسب متواضعة، بينما تتسع الهوة بين الأغنياء والفقراء وتتراجع أوضاع الطبقة الوسطى في العديد من مجتمعات تلك الدول، إلى حد وقوفها على حافة الفقر. هذا إذا أخذنا في الحسبان أن (الفاو) تعتمد على جهات حكومية رسمية معنية بتقديم الإحصائيات، في حين أن تقديرات منظمات وهيئات مختصة دولية ومحلية تؤكد أن نسبة الفقر المدقع أكبر بكثير، ويضاف إلى جملة الأسباب المؤدية إلى الجوع والفقر في العديد من الدول الأفريقية، الحروب السياسية والعسكرية والاقتصادية. 

 


ورغم عمل كل وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة والمنظمات الأهلية والإقليمية والمحلية، فان نسب زيادة الدول الأفريقية بحاجة إلى المساعدات الغذائية تتصاعد سنويا، ولا أعتقد أن الذين يتابعون الوضع الغذائي في البلدان الأفريقية لا يشعرون بأن الخطر الدائم لشحة الغذاء أفريقياً على الأبواب، وبكل أمانة أقول هنا: إن المشكلة الغذائية الأفريقية قادمة وبأرجل هذه المرة، لأن الحرب على أفريقيا غذائيا لم تبدأ بعد باستخدام كل الأسلحة، والأمر مؤجل إلى أن تكتمل الحرب عليهم في الصورة الحالية أو تتداخل معها وسيهرع الاتحاد الأفريقي إلى عقد مؤتمرات أو ندوات أو حلقات عمل لمعالجة هذا النوع من الخطر الجديد، ولكن دون أن يتخلى عن إقامة ولائم لإشباع المشاركين في تلك النشاطات مع الحرص على تقديم المقبلات، ويكفينا متاهة في البلاد الأفريقية أننا لم نعقد حتى الآن مؤتمراً أفريقياً لنخب اقتصادية تقدم حلولًا من أجل إعادة تدوير الخطط التنموية بما يلبي الاكتفاء الذاتي الغذائي الأفريقي تماماً، كما لا يمكن لنا أيضا أن نتخلى عن البشرى السارة في تسويق إعلانات عن وصول المنتجات الصينية إلى الأسواق الأفريقية وكأن استيراد الغذاء قدر سكان أفريقيا.

 


كاتب صحفي من المغرب.

الأكثر قراءة