الجهاديون يستهدفون أفريقيا وأفغانستان وروسيا والصين ليستا بعيدتين عن أهدافهم

أخبار أفريقية | | Thursday, March 30, 2023 10:59:00 AM

يكثف الجهاديون تحركاتهم في أفريقيا وأفغانستان، لكنها تحركات تؤكد أن الصين على رأس أهدافهم، حيث يوجهون هجماتهم نحو مصالحها في كابول مستغلين الانتهاكات ضد الإيغور لتأليب المقاتلين بمختلف انتماءاتهم ضدها، بينما يبدو أن روسيا ستكون هي الأخرى ضمن أهدافهم بعد انخراطها في الحرب على التطرف في القارة السمراء.

واشنطن - كان المزارع الصومالي البالغ من العمر 22 عاما متشككا عندما حاول المجنِّدون في حركة الشباب إقناعه بأن الدفاع عن الإسلام يحتاج أشخاصا مثله. وأجاب “ما أحتاجه حقا هو وظيفة وزوجة”.

واستجاب للدعوة بعدما وعده المتطرفون المنتمون إلى إحدى أقدم الحركات الجهادية في أفريقيا بالعثور على زوجة له.

لكن الجهاديين لم يفوا بذلك. وحين تسببت إصابات محمد الجسديّة في إعاقته، ضغطت عليه حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة كي يضحي بنفسه من خلال تفجير انتحاري.

تنطبق تجربة محمد على أي مجند أفريقي عادي متشدد يرى في الجهاد فرصة للهروب من الفقر أكثر من كونه استجابة لفرض ديني.

ويستغلّ المجنِّدون افتقار الشباب إلى التعليم الديني الذي كان سيمكّنهم من تحدي تفسير الإسلام المتشدد الذي تتبناه الخلايا الإرهابية.

وأكّد استطلاع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي شمل 500 متشدد سابق أن 57 في المئة منهم كانوا يعرفون القليل أو لا يعرفون شيئا عن النصوص الدينية الإسلامية.

وتتحدى الدراسة المفاهيم التي ترى أن التعليم الديني الإسلامي يخلق أرضا خصبة للتشدد، حيث أبرزت أنه يقلل احتمال التطرف بنسبة 32 في المئة.

لكن تجنيد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أفغانستان كان مختلفا. واستفاد التنظيم من تجاوز القاعدة باعتبارها الجماعة الجهادية الرئيسية العابرة للحدود في المنطقة، والمستقلة والمضادة لحكم طالبان في أفغانستان.

وتميّزت القاعدة في أفريقيا بوصولها إلى المزيد من المقاتلين والمساعدين الجاهزين والمتمرسين في القتال من خلال تعاونها مع مجموعات مثل لشكر جهنكوي الباكستانية والحركة الإسلامية في أوزبكستان.

وجذب التعاون المسلحين من ذوي المعرفة بالمشهد المحلي والإقليمي. وكان بعضهم من عائلات سياسية ومن أقارب أمراء حرب قدموا الدعم اللوجستي عبر مساعدة تنظيم الدولة الإسلامية في الوصول إلى الوثائق الرسمية والتخطيط للهجمات.

كما أن علاقات المجتمعات السلفية الأفغانية مع طالبان كانت متوترة، وكان أفراد قوات الأمن الأفغانية السابقون معرضين لخطر الاضطهاد الطالباني بعد استيلاء الجماعة على السلطة مع الانسحاب الأميركي في أغسطس 2021، مما جعل من هذه المجموعات أهداف تجنيد مثالية.

واستفاد داعش من تشكيكه في أسس طالبان الإسلامية على عكس القاعدة التي تدعم الحركة الأفغانية. وتوقعت القاعدة في سياق دفاعها عن طالبان إعلان الجماعة عن إمارة إسلامية (لم يصفها الأفغان بالخلافة) تكون بديلا لمفهوم الخلافة لدى داعش.

وقال الباحث كول بونزل في دراسة له إن “شكوك طالبان ميزت شريحة معينة من الحركة الجهادية أكثر تطرفا (…)، ووفر تنظيم الدولة الإسلامية حاضنة لسلالة أكثر تطرّفا من الفكر الجهادي، وأدى تمتعه بموقع الصدارة إلى اعتبار أعداد متزايدة من الجهاديين طالبان حركة مرتدة”.

انخراط روسيا في حرب الدول الأفريقية ضد التطرف سيجعل منها هدفا جهاديا مثل الصين، عاجلا وليس آجلا

ويقول المحلل جيمس دورسي إن توجّهات المقاتلين في أفريقيا وأفغانستان تشير إلى مسارات مختلفة ذات تأثيرات جيوسياسية متباينة.

نتيجة لذلك تبدو جهود مكافحة الإرهاب -التي تستند إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي على قدم المساواة مع الأمن وإنفاذ القانون في محاولة للحد من مجموعة تجنيد المسلحين وحرمانها من بيئة مواتية في أفريقيا- نهجا أكثر فاعلية على المدى القصير والمتوسط​​ مما هو عليه في أفغانستان حيث يعتمد الجهاديون على الأيديولوجيا والحماس الديني.

لكن هذا لا يعني، وفق المحلل، أن الإصلاح غير مهم في دول آسيا الوسطى مثل أوزبكستان وطاجيكستان اللتين يستهدفهما تنظيم الدولة الإسلامية.

وتطرح العمليات الجهادية عبر الحدود في أفغانستان وأفريقيا تحديات مختلفة وتخلق فرصا متباينة للقوى الخارجية مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا.

وتمثل أفريقيا بالنسبة إلى روسيا فرصة كبيرة لتوسيع انتشارها وتأثيرها العالميين. وقد استفادت من الحبل المشدود الذي تسلكه الولايات المتحدة وأوروبا بينما يوازنان بين الحاجة إلى الإصلاح ودعم المستبدين في الحرب ضد التشدد.

وأضرت إدارة هذا التوازن بفرنسا التي كانت القوة الخارجية الرئيسية في القتال إلى جانب الولايات المتحدة لفترة طويلة، وفتحت الأبواب لروسيا.

وتعدّ دول مثل مالي وبوركينا فاسو أمثلة على ذلك. وامتدّ التشدد مؤخرا إلى دول غرب أفريقيا الساحلية مثل بنين وتوغو.

ويرحب الكثيرون في غرب أفريقيا بروسيا ومجموعة فاغنر في محاولة يائسة لإنهاء العنف وعلى أمل أن تنجحا حيثما فشلت فرنسا والولايات المتحدة والحكومات الإقليمية الفاسدة.

كما يرى كثيرون في روسيا الخيار الأفضل باعتبار أنها مستعدة لأن تسمح للحكومات المحلية بشن عمليات مكافحة التمرد والإرهاب غير المقيدة بمخاوف حقوق الإنسان.

لكن الجمع بين الوحشية، مع غياب أي عنصر سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي ذي أهمية، وعدم التمييز بين المتشددين العابرين للحدود في أفريقيا سيحقق نتائج على المدى القصير بدلا من توفير الحلول الجذرية.

ويحُول الفشل في التمييز بين الأنواع المختلفة من المسلحين دون وضع مناهج مصممة لتقليل خطر دفع الحركات القبلية والعرقية غير الجهادية إلى أحضان المقاتلين المتشددين.

وتمكّن الحكومات الأفريقية روسيا من ترسيخ نفسها في اقتصاداتها ونسيجها الاجتماعي من خلال الدفع لخدمات موسكو ومجموعة فاغنر بتنازلات عن الموارد الطبيعية والعقود التجارية أو بتمكينهما من الوصول إلى البنية التحتية الحيوية، مثل القواعد الجوية والموانئ.

الكثيرون في غرب أفريقيا يرحبون بروسيا ومجموعة فاغنر في محاولة يائسة لإنهاء العنف

في المقابل يتجاهل تركيز الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا على مكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا شمال القارة.

ويرى المسؤولون والمحللون في تجربة شمال أفريقيا جدارا لحماية المنطقة من التشدد. وتعود هذه التجربة إلى حرب الجزائر الدامية في تسعينات القرن الماضي ضد المتشددين الإسلاميين والكفاح في ليبيا وتونس منذ ثورات الربيع العربي التي اندلعت في 2011، وحملة القمع الوحشي التي شنتها مصر على الإسلاميين في 2013.

لكن دورسي يرجح أن يكون العكس هو الصحيح، حيث جرّت جائحة كورونا الاقتصادات الإقليمية إلى حالة من الفوضى، إذ توسّعت الفوارق الاجتماعية والاقتصادية ونما الفساد والبطالة. وأصبحت شرائح واسعة من السكان غاضبة ومحبطة ويائسة.

وحذّر تقرير صدر عن المعهد الأميركي للسلام ومؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في 2021 من “تواصل العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي جعلت المنطقة أرضا خصبة لتجنيد الإرهابيين دون معالجة”.

ويرى دورسي أنه إذا كانت أوروبا القوة الخارجية الأكثر تضررا من زيادة عدم الاستقرار والعنف السياسي في محيطها، فقد تصبح الصين القوة الرئيسية الأكثر استهدافا في أفغانستان وآسيا الوسطى.

الهجمات في كابول تشير إلى أن صراع روسيا والصين المتزايد مع الجهاد قد يدفع المسلحين إلى توسيع مسرح عملياتهم

وتحول الحزب الإسلامي التركستاني، وهو جماعة جهادية متحالفة مع القاعدة وعابرة للحدود، من الجهاد العالمي إلى الرغبة في تحرير مقاطعة شينجيانغ شمال غرب الصين، معلنا أن أعضاءه ليسوا “إرهابيين. نحن مقاتلون من أجل تحرير الإيغور المضطهدين في تركستان الشرقية”.

ولاقى تأكيد زعيم الحزب عبدالسلام التركستاني، الذي أعلن أن مجموعته (التي كانت تُعرف سابقا باسم “حركة تركستان الشرقية الإسلامية”) ليست منظمة إرهابية، دعما من وزارة الخارجية الأميركية بقرارها شطب الحركة من قائمة الإرهاب التي وضعتها سنة 2020.

وبدأت الصين تواجه نتائج تركيز تنظيم الدولة الإسلامية والحزب الإسلامي التركستاني عليها عندما اقتحم ثلاثة مسلحين فندقا يملكه صينيون في وسط كابول في ديسمبر الماضي.

كان هذا أول هجوم على هدف صيني منذ وصول طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021. وأعلن داعش – ولاية خراسان مسؤوليته عن الهجوم.

وجاء الهجوم إثر سلسلة من المنشورات المعادية لبكين الصادرة عن تنظيم الدولة الإسلامية شجب فيها التنظيم “الإمبريالية” الصينية.

وكسر التركيز المتجدد صمت داعش المستمر منذ خمس سنوات بشأن الصين وأثار شبح مهاجمة أهداف صينية في باكستان كما حدث في 2017 عندما اختطف مواطنين صينيين وأعدمهم في مقاطعة بلوشستان الباكستانية التي تعدّ نقطة رئيسية في مبادرة الحزام والطريق.

ويعد قمع المسلمين الأتراك الوحشي في شينجيانغ والجهود المبذولة لإضفاء الطابع الصيني على الإسلام في الصين أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل بكين في مرمى الحركات الجهادية.

ويجدر هنا التطرق إلى المصالح التجارية الصينية المتنامية في أفغانستان.

وتعدّ الصين واحدة من عدد قليل من الدول التي تحتفظ بوجود دبلوماسي في كابول، وتتاجر مع أفغانستان، حتى لو كانت ترفض الاعتراف بنظام طالبان. لكنها نصحت مواطنيها في أفغانستان بمغادرة البلاد “في أقرب وقت ممكن” إثر الهجوم على الفندق.

ويقول دورسي، وهو محلل سياسي وباحث في شؤون الشرق الأوسط، “قد تكون أفريقيا وأفغانستان من مراكز الثقل الحالية للجهاديين، لكن طموحات المسلحين تتجاوزهما”.

وحطمت هجمات تنظيم الدولة الإسلامية على مساجد أفغانية وهجوم صاروخي عبر الحدود على أوزبكستان آمال آسيا الوسطى في أن تكون طالبان قادرة على السيطرة على المنطقة الحدودية وحماية الجمهوريات السوفييتية السابقة من الجهاديين.

وانخراط روسيا في الحرب الأفريقية ضد التطرف سيجعل منها هدفا جهاديا مثل الصين، عاجلا وليس آجلا.

وربما يكون التفجير الانتحاري الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية في سبتمبر بالقرب من السفارة الروسية في كابول رصاصة تستهدف محور موسكو.

وقد يعزز تقديم بدائل لشباب أفريقيا، مثل المقاتل الصومالي السابق محمد الذي يبحث عن وظيفة وزوجة، جهود مكافحة الإرهاب فيها وفي آسيا الوسطى، شريطة أن تكون للولايات المتحدة وأوروبا والحكومات المحلية الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذ الإصلاحات الضرورية. لكن ذلك سيكون أكثر صعوبة في أفغانستان، حيث تبقى طالبان معزولة دوليا وغير راغبة في تلبية الحد الأدنى من شروط المجتمع الدولي.

ويرى المحلل أن الهجمات في كابول تشير إلى أن صراع روسيا والصين المتزايد مع الجهاد قد يدفع المسلحين إلى توسيع مسرح عملياتهم، واستهداف دول أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة التي تتعامل مع طالبان.
العرب

الأكثر قراءة